أبرز تصريح في أسباب التأييد الأعمى للسلطات الغربية لإسرائيل في عدوانها الفاحش على المدنيين الفلسطينيين في غزة الذي ينتهك كل القوانين الدولية كان للدكتور النرويجي مادس جيلبرت - Mads Gilbert، الذي عمل لحوالي عشرين سنة في مستشفيات غزة، وقال إنه شخصياً تفقدها بحرية ولم يجد أي أثر لأنفاق سرية أسفلها تبرر قصف إسرائيل لها، وعمل فيها أثناء دورات الهجمات الإسرائيلية عليها، وأكد عدم وجود أي نشاطات عسكرية حولها، وقال إن سبب التأييد الأعمى للسلطات الغربية لإسرائيل مهما انتهكت القوانين الدولية وأجرمت بحق المدنيين الفلسطينيين هو العنصرية العرقية الغربية الاستعمارية التي لا ترى قيمة لحياة السكان الأصليين الفلسطينيين. وصدق في تحليله لكن ماذا يمكن للعرب أن يفعلوا لجعل الغرب يتجاوز هذا الانحياز اللاواعي العنصري في النظر إلى الفلسطينيين والعرب؟ هنا يأتي دور الفن في أنسنة الآخر المختلف في نظر من يجهله، فالعرب كان يمكنهم إنتاج أفلام تخاطب العقلية الغربية والمشاهد الغربي وتوصل إليه القضية الفلسطينية، مع العلم أن التأييد الشعبي الواسع لغزة والقضية الفلسطينية في الغرب والمظاهرات الكبرى التي قام بها الغربيون دعماً لغزة والقضية الفلسطينية بسبب إقبالهم على استقاء الأخبار من أهلها عبر مواقع التواصل بدل وسائل الإعلام العالمية المنحازة تقليدياً لإسرائيل، وهذا يبين القابلية لدى الغرب لتغيير انحيازاتهم إن وصلتهم المعلومة الصحيحة والمنظور العادل للقضية الفلسطينية، وفقط عندما يصل التأييد الشعبي التراكمي لدرجة أن يؤثر على المواقف الرسمية للسلطات الغربية سيمكن عقد اتفاقية سلام تمكن الفلسطينيين من العيش بحقوق إنسانية طبيعية كبقية البشر، لأن هذا الضغط الشعبي الغربي هو ورقة الضغط الوحيدة لدى الفلسطينيين مقابل قوة إسرائيل واللوبي الصهيوني العالمي، وبدونها يرى الفلسطينيون أن ورقة الضغط الوحيدة لديهم هي القيام بعمليات ضد إسرائيل رغم أن هذه العمليات تتسبب بردة فعل إسرائيلية انتقامية فاحشة ومجازر جماعية ودمار شامل للمدن الفلسطينية وتشديد القبضة الأمنية المتعسفة التي تجعل حياة الفلسطينيين جحيماً لا يُطاق. وليصل التأييد والتعاطف الغربي مع القضية الفلسطينية لدرجة أن يصبح ورقة ضغط فاعلة في المفاوضات مع إسرائيل يجب إنتاج أفلام ومسلسلات عن القضية الفلسطينية تخاطب الغرب، فكل الأفلام والمسلسلات القليلة التي أُنتجت عن القضية الفلسطينية لم تُراعِ الذائقة الغربية، ولم تكن بالجودة المناسبة للجمهور الغربي بل وحتى الجمهور العربي، ولذا الأفضل الاستعانة بالمخرجين العرب الذين عملوا في هوليود وباتوا خبراء في الذائقة الغربية، وهناك أمثلة لقضايا عدة في العالم لم يحلها إلا إنتاج فيلم غربي عالمي عنها، فالتعاطف الذي ينتج عن التأثر بالمواد الفنية من أبرز القوى الناعمة التي أهملها العرب في قضاياهم. وعلى سبيل المثال ما أنسن الجزائريين بنظر العالم الغربي وخلق حالة تضامن ودعم وضغط عالمي باتجاه استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي كان فيلماً إيطالياً عن جرائم المستعمر الفرنسي في الجزائر بعنوان «The Battle of Algiers - معركة الجزائر»، الذي حاز على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينسيا السينمائي، وترشح لثلاث جوائز أوسكار، وفاز بجائزة النقاد العالميين، وعديد من الجوائز الفنية الإيطالية والغربية، رغم أن فرنسا حينها كانت من القوى العالمية الكبرى المؤثرة ثقافياً وسياسياً وإعلامياً وعسكرياً لكنها لم تنجح في قمع نجاح الفيلم العالمي رغم منعها له، بل إن ردة فعلها المضادة له كانت بمثابة دعاية إضافية له، وبسبب شعبيته الطاغية اضطرت فرنسا أخيراً للسماح بعرضه في دور السينما الفرنسية رغم تهديدات إرهابية من المتعصبين الفرنسيين، وحطم بذلك قرناً من الدعاية الاستعمارية العنصرية المضللة في فرنسا والعالم.